يكثُر الحديث عن توجّه الحكومة لاستئناف التفاوض مع صندوق النقد الدولي كبوابة عبور لولوج طريق الدعم المالي الدولي وسكة الإنقاذ الاقتصادي، بالتوازي مع رزمة إصلاحات انطلاقاً من البيان الوزاري، إلّا أن عملية التفاوض والآليات المُتّبعة والمدّة الزمنية، أمور لا زالت في دائرة الغموض، فضلاً عن الشروط والعقبات.
مصادر مطلعة على ملف التفاوض مع صندوق النقد، توضح لـ”أحوال” أن “مفتاح الدعم للبنان هو التفاوض مع الصندوق، وهذا نقله المسؤولون الدوليون الذين زاروا لبنان أو التقاهم رئيس الحكومة نجيب ميقاتي خلال جولته الأوروبية”.
وتكشف المصادر أن “عملية التفاوض انطلقت عملياً عبر اجتماعات تجري عبر تقنية “زوم” التي ستُعتمد في أغلب الاجتماعات، إلا إذا تطورت المفاوضات إلى اتفاقيات تتطلّب الحضور المباشر”، لافتة إلى أن “التواصل بدأ بين الحكومة والصندوق قبل أن تأخذ الحكومة الثقة”.
ولإضفاء الجدية على انطلاق المفاوضات، يصل المدير التنفيذي لصندوق النقد، محمود محي الدين، إلى بيروت خلال أيام، بحسب المصادر، للبحث في آليات استئناف التفاوض مع الحكومة.
الخبير الاقتصادي د. جاسم عجاقة، يعدّد في حديث لموقعنا المراحل التي يتدرّج بها التفاوض مع الصندوق، والتي تتمثّل بـ: عملية تقييم تتضمّن تقدير وتوزيع الخسائر المالية، ثم وضع تصور للحل، ثم تجزئة الحل أي التفاوض حول كل بند على حدى وتنفيذه، وبالتالي أي اتفاق ينتقل إلى التنفيذ بالتوازي مع استمرار التفاوض على بنود أخرى.
ويوضح عجاقة لـ”أحوال” أن صندوق النقد لا يفرض الشروط على الحكومة، لكن عليها احترام المبادئ الثلاثة للصندوق، وهي:
-الانفتاح التجاري العالمي سواءً بالاستثمارات الاجنبية أو الإستيراد والتصدير
– ترك السوق يحدّد سعر الفائدة
-خروج الدولة من المجال الاقتصادي، لا سيما من قطاعات إنتاجية كالكهرباء
وتنعكس هذه المبادئ، بحسب عجاقة، بإجراءات عدة من قبل الحكومة، وهي:
-فرض ضرائب على النشاط الاقتصادي، وأن تلحظ الموازنة مداخيل حقيقية وإنفاق مرشد
-إعادة النظر بحجم القطاع العام والمؤسسات التي لا جدوى اقتصادية منها
-عمليات الادارة والحوكمة الرشيدة ومكننة القطاع العام ومكافحة الفساد
– معالجة مشكلة الدين العام والتفاوض مع المقرضين
وهنا يواجه لبنان، وفقًا للخبير الاقتصادي، مشكلة سداد كل الديون المستحقة، فيتدخل الصندوق لمساعدة لبنان بمبلغ معين مقابل إقرار”الكابيتال كونترول” للحؤول دون تهريب الأموال الى الخارج.
وبحسب معلومات “أحوال”، فإن الصندوق يولي أهمية كبيرة لملف الانفاق العام لا سيما في قطاع الكهرباء الذي يكلف المالية العامة ملياري دولار سنوياً، وسيجري البحث مطولاً بإصلاح هذا القطاع وبناء معامل للانتاج لكن المشكلة في تمويلها، فضلاً عن الخلاف بين مكونات الحكومة حول نقطتين:
-إدراج معمل سلعاتا ضمن خطة بناء المعامل كما يطالب التيار الوطني الحر
-تعيين الهئية الناظمة التي يرفضها التيار كونها تقيد صلاحية الوزير في ظل الخلاف على قانون آلية التعيين والشراء العام
وفي سياق متصل، يميّز عجاقة بين صندوق النقد ومهمته مساعدة الدول على تخطي مشاكلها المالية، وبين البنك الدولي الذي يموّل المشاريع، إذ يشدد على ضرورة توجه الحكومة إلى الخصخصة وبيع عدد من المرافق العامة التي تملكها الدولة، إضافة إلى فرض ضرائب على أملاك الدولة المصادرة كالأملاك البحرية والنهرية، لسد الفجوة الكبيرة في المالية العامة.
وتشير مصادر نيابية ومالية لـ”أحوال” إلى أن “الخلاف لا يزال قائماً حول خطة التعافي الاقتصادية وحجم وتوزيع الخسائر بين مصرف لبنان وقطاع المصارف ولجنة المال والموازنة من جهة، ووزارة المال والحكومة السابقة من جهة ثانية، حيث يقف صندوق النقد مع الفريق الثاني، الأمر الذي يشكل عقدة جديدة أمام نجاح المفاوضات، لا سيما وأن ميقاتي أقرب لفريق حاكم المركزي رياض سلام – المصارف”.
من هنا، تكشف المصادر عينها أن “التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان والذي سلك طريقه بجدية، سيساهم في فض النزاع بين الفريقين وتحديد الحجم الحقيقي للخسائر، فضلاً عن مشكلة أساسية في تمويل مشاريع مؤتمر “سيدر” في ظل انكفاء دول الخليج عن لبنان وفشل المحاولة الفرنسية الأخيرة بتعديل الموقف السعودي.
وفي هذا الإطار، يرى عجاقة أن “المهم في المفاوضات مع الصندوق تعديل سلوك الحوكمة للدولة وإدارة المؤسسات مالياً واقتصاديا ونقدياً، والقيام بإصلاحات جوهرية مثل الكهرباء و”الكابيتال كونترول”، ولديها الوقت الكافي إذا توافرت النية والإرادة”، لافتًا إلى أن “الحكم استمرار والحكومة المقبلة ملزمة التقيد بنتائج المفاوضات”.
وهنا تشير مصادر ميقاتي لموقعنا إلى أن “الحكومة ستحاول قدر الإمكان الإسراع بالتفاوض والحصول على الأموال، لكن في حال لم يسعفنا الوقت والإمكانات سنكون وضعنا المسار على السكة الصحيحة”. وتضيف بأن “لا فرض شروط على الحكومة التي ستأخذ ما يتوافق والمصلحة الوطنية”.
بدورها، تقول مصادر “حزب الله” لـ”أحوال” إن “ممثلي الحزب في الحكومة يدعمون خيار التفاوض، لكنهم سيرفضون أي بند يمس بالأمن الاجتماعي أو يفرط بالسيادة وبأصول الدولة ومرافقها، أي رفض الخصخصة الكاملة”.
وبحسب عجاقة، لن يفرض الصندوق شروطاً سياسية، لكن هناك تأثير كبير للولايات المتحدة الأميركية عليه، إلا أن أوساط ديبلوماسية تكشف لـ”أحوال” أن “السياسة الأميركية تعدّلت باتجاه “تعويم” لبنان جزئياً لكن من دون وصوله الى مرحلة الانتعاش والازدهار الاقتصادي، وذلك بعد فشل سياسة الحصار وتقدم النفوذ الايراني في المتوسط عبر “حزب الله”، والهدف استمرارهم باستثمار الازمة الاقتصادية في الضغط على الحزب واضعافه وحلفائه في الانتخابات المقبلة”.
محمد حمية